الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: الْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ , أَحْسَنُهَا وَأَسْكَنُهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ . وَقَالَ مَرَّةً: إذَا مَشَى تَقَلَّعَ , وَالتَّقَلُّعُ الِارْتِفَاعُ مِنْ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ كَحَالِ الْمُنْحَطِّ فِي الصَّبَبِ , يَعْنِي يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ , وَالتَّكَفُّؤُ التَّمَايُلُ إلَى قُدَّامَ , كَمَا تَتَكَفَّأُ السَّفِينَةُ فِي جَرْيِهَا , وَهُوَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ . قُلْت: وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَسْرَعَ مِشْيَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , لَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ , كُنَّا إذَا مَشِينَا مَعَهُ نُجْهِدُ أَنْفُسَنَا , وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ " . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا لَيْسَ فِيهِ كَسَلٌ " . وَابْنُ سَعْدٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ مُرْشِدٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَشَى أَسْرَعَ حَتَّى يُهَرْوِلَ الرَّجُلُ فَلَا يُدْرِكُهُ " . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ " . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ: " وَإِذَا مَشَى لَكَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ سَعْدٍ عَنْهُ رضي الله عنه " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ " . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَشَى تَقَطَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ " . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْ أَنَّ مِشْيَتَهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ بِمُمَاتَةٍ وَلَا بِمُهَانَةٍ , وَالصَّبَبُ بِفَتْحِ الصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى: الْمَوْضِعُ الْمُنْحَدِرُ مِنْ الْأَرْضِ , وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى سُرْعَةِ مَشْيِهِ ; لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ فِي مَشْيِهِ , وَالتَّقَطُّعُ الِانْحِدَارُ مِنْ الصَّبَبِ , وَالتَّقَطُّعُ مِنْ الْأَرْضِ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ . يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ التَّثَبُّتَ وَلَا يُبَيَّنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اسْتِعْجَالٌ وَمُبَادَرَةٌ شَدِيدَةٌ , وَأَرَادَ بِهِ قُوَّةَ الْمَشْيِ , وَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعًا قَوِيًّا لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خَطْوَهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ . نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُقَارِبَ خُطَاهُ إذَا كَانَ ذَاهِبًا إلَى الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ . فَأَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ مِشْيَتُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الْمَاشِيَ إنْ كَانَ يَتَمَاوَتُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَمْشِي قِطْعَةً وَاحِدَةً كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ فَمِشْيَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: الثَّانِيَةُ - مِنْ الْمِشْيَاتِ -: أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ , مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ , وَهِيَ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا , وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى خِفَّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا , وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ يَمِينًا وَشِمَالًا . الثَّالِثَةُ: أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ كِبْرٍ وَلَا تَمَاوُتٍ , وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . الرَّابِعَةُ: السَّعْيُ . الْخَامِسَةُ: الرَّمَلُ وَتُسَمَّى الْخَبَبَ , وَهِيَ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا بِخِلَافِ السَّعْيِ . السَّادِسَةُ: السَّيَلَانُ , وَهُوَ الْعَدْوُ الْخَفِيفُ بِلَا انْزِعَاجٍ . السَّابِعَةُ: الْخَوْزَلَى , وَهِيَ مِشْيَةٌ فِيهَا تَكَبُّرٌ وَتَخَنُّثٌ . الثَّامِنَةُ: الْقَهْقَرَى وَهِيَ الْمَشْيُ إلَى وَرَائِهِ . التَّاسِعَةُ: الْجَمَزَى يَثِبُ فِيهَا وَثْبًا . الْعَاشِرَةُ: التَّمَايُلُ كَمِشْيَةِ النِّسْوَانِ . وَإِذَا مَشَى بِهَا الرَّجُلُ كَانَ مُتَبَخْتِرًا . وَأَعْلَاهَا مِشْيَةُ الْهَوْنِ وَالتَّكَفُّؤِ انْتَهَى
(الثَّانِي) قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ مَشَى مَعَ إنْسَانٍ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ , وَأَعْلَمَ فَعَنْ يَمِينِهِ يُقِيمُهُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ , وَإِذَا كَانَا سَوَاءً اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَ لَهُ يَسَارَهُ حَتَّى لَا يُضَيِّقَ عَلَيْهِ جِهَةَ الْبُصَاقِ وَالِامْتِخَاطِ . وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُ مَشْيِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْكَبِيرِ , وَإِنْ مَشَوْا عَلَى جَانِبَيْهِ فَلَا بَأْسَ كَالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ إنَّهُ هُوَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَشَيَا عَنْ جَانِبَيْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما . وَقَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ يَجْعَلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَمْشِي عَنْ يَسَارِهِ . وَقَدْ قِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَخَلِّي الْيَسَارِ لِلْبُصَاقِ وَغَيْرِهِ . انْتَهَى (الثَّالِثُ) قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ -: إذَا أَذِنَ لَهُ , وَمَعَهُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِيَوْمٍ قَدَّرَ الْأَكْبَرَ فِي الدُّخُولِ . فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " أَمَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ أُكَبِّرَ , وَقَالَ: قَدِّمُوا الْكَبِيرَ " . وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مُعَوِّذٍ: كُنْت أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ فَصِرْنَا إلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ: لَوْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّك أَكْبَرَ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَإِنْ كَانَ الْأَصْغَرُ أَعْلَمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى . ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: كُنْت مَعَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ يَوْمًا نَعُودُ مَرِيضًا فَلَمَّا حَاذَيْنَا الْبَابَ تَأَخَّرَ إسْحَاقُ وَقَالَ لِيَحْيَى تَقَدَّمْ أَنْتَ يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنْتَ أَكْبَرُ مِنِّي , قَالَ نَعَمْ أَنَا أَكْبَرُ مِنْك , وَأَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي , فَتَقَدَّمَ إسْحَاقُ . انْتَهَى . قَالَ الْحِجَّاوِيُّ رحمه الله: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَهُ التَّقْدِيمُ يَتَقَدَّمُ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ , وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْهُ , وَأَنَّ الْأَعْلَمَ يُقَدَّمُ مُطْلَقًا , وَلَا اعْتِبَارَ مَعَهُ إلَى سِنٍّ , وَلَا صَلَاحٍ , وَلَا شَيْءٍ , وَأَنَّ الْأَسَنَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْرَعِ وَالْأَدْيَنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْعِلْمِ وَالسِّنِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِدِينٍ أَوْ وَرَعٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثَ " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ . قُلْت: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ . وَلَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا بِلَفْظِ " لَيْسَ مِنَّا " إلَخْ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ وَالْخُفِّ قَائِمًا كَذَاك الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدٍ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (لُبْسُ الْأُرُزِ) جَمْعُ إزَارٍ (وَ) لُبْسُ (الْخُفِّ) أَيْضًا حَالَ كَوْنِ اللَّابِسِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا (قَائِمًا) وَكَذَا السَّرَاوِيلُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى اللِّبَاسِ (كَذَاك) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ , وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَائِمًا يُكْرَهُ أَيْضًا , وَهُوَ آكَدُ فِي الْكَرَاهَةِ مِمَّا قَبْلَهُ (الْتِصَاقُ) مِنْ لَصِقَ بِالصَّادِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ . وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ كَانَتْ السِّينُ فِيهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا أَحَدُ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْخَاءُ وَالطَّاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ إبْدَالُ الصَّادِ مِنْ السِّينِ مِثْلُ صَخَبٍ وَسِرَاطٍ وَسَغْبٍ وَصَقْرٍ . وَمِنْهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ يُقَالُ لَسِقَ وَلَصِقَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيُكْرَهُ الْتِصَاقُ (اثْنَيْنِ) يَعْنِي يُكْرَهُ أَنْ يَتَجَرَّدَ ذَكَرَانِ أَوْ أُنْثَيَانِ (عُرْيًا) بِأَنْ يَنَامَا فِي إزَارٍ أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ وَلَا ثَوْبٍ بَيْنَهُمَا (بِمَرْقَدٍ) مَحَلُّ الرُّقُودِ يَعْنِي النَّوْمَ . وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ . وَثِنْتَيْنِ وَافْرُقْ فِي الْمَضَاجِعِ بَيْنَهُمْ لَوْ إخْوَةً مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ تُسَدَّدْ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ الْتِصَاقُ (ثِنْتَيْنِ) يَعْنِي أُنْثَيَيْنِ لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ . قُلْت: فَإِنْ مَسَّ أَحَدُهُمَا عَوْرَةَ الْآخَرِ حُرِّمَ عَلَى الْمَاسِّ ; لِأَنَّ اللَّمْسَ كَالنَّظَرِ , وَأَوْلَى . وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الرِّعَايَةِ وَقَيَّدَ الْكَرَاهَةَ بِكَوْنِهِمَا مُمَيَّزَيْنِ , ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَمَحْرَمٍ احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ . قُلْت: إنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَاءُ فَلَا شَكَّ فِي الْحُرْمَةِ . وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ . ثُمَّ رَأَيْته فِي الْآدَابِ مُصَرَّحًا . (وَافْرُقْ) أَيُّهَا الْوَلِيُّ (فِي الْمَضَاجِعِ) جَمْعُ مَضْجَعٍ مَوْضِعُ الضُّجُوعِ يَعْنِي النَّوْمَ وَأَصْلُهُ وَضْعُ الْجَنْبِ بِالْأَرْضِ (بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِك وَمَنْ لَك عَلَيْهِمْ الْوِلَايَةُ وَلَا تَدَعْهُمْ يَنَامُونَ سَوِيَّةً وَلَوْ كَانُوا (إخْوَةً) سَدًّا لِبَابِ الذَّرَائِعِ وَحَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ , وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْك (مِنْ بَعْدِ) بُلُوغِهِمْ لِ (عَشْرٍ) مِنْ السِّنِينَ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِمْ , فَإِنْ فَعَلْت مَا أُمِرْت بِهِ (تُسَدَّدْ) أَيْ تُوَفَّقُ لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتُقَوَّمُ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: سَدَّدَهُ تَسْدِيدًا قَوَّمَهُ , وَوَفَّقَهُ لِلسَّدَادِ أَيْ الصَّوَابِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ . وَأَمَّا سِدَادُ الْقَارُورَةِ وَالثَّغْرِ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ , وَسِدَادٌ مِنْ عَوَزٍ وَعَيْشٍ لِمَا يُسَدُّ بِهِ الْخَلَّةَ وَقَدْ يُفْتَحُ أَوْ هُوَ لَحْنٌ . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا امْتَثَلَ لِأَوَامِرِ الشَّارِعِ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يُوَفَّقَ لِلصَّوَابِ , أَوْ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي فَعَلَهُ هُوَ الصَّوَابُ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ: مَنْ بَلَغَ مِنْ الصِّبْيَانِ عَشْرَ سِنِينَ مُنِعَ مِنْ النَّوْمِ مَعَ أُخْتِهِ وَمَعَ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِمَا مُتَجَرِّدِينَ , وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ عُلَمَائِنَا وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ , وَأَنَّ لَهُ عَوْرَةً يَجِبُ حِفْظُهَا . وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ تَجَرُّدُ مَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ , وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْعَوْرَةِ لِوُجُوبِ حِفْظِهَا إذَنْ وَمَعَ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا . فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَإِنْ أُمِنَ ثَوَرَانُ الشَّهْوَةِ جَازَ , وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهَا , وَإِنْ خِيفَ ثَوَرَانُهَا حَرُمَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَنْعِ النَّظَرِ حَيْثُ أُبِيحَ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا عَلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْأَصْحَابُ . وَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَحْرَمًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ وَاضِحٌ لِمَعْنَى الْخَلْوَةِ وَمَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَحُصُولِ الْفِتْنَةِ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مُرُوا صِبْيَانَكُمْ - وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ - وَفِي لَفْظٍ: مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَفِي لَفْظٍ فِي سَبْعِ سِنِينَ , وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرٍ - وَفِي لَفْظٍ: اضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ , وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " . وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آدَابِ النِّسَاءِ عَنْ أَ بِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ الصَّلَاةَ إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ , وَاضْرِبُوهُمْ إذَا بَلَغُوا عَشْرًا , وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ , فَإِذَا بَلَغَ عَشْرًا ضُرِبَ عَلَيْهَا " . قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ: إنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعْتَادُ مِنْ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ " فَأَمَّا إنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَعَلَى مَا سَبَقَ , فَأَمَّا الْمَحَارِمُ فَلَا مَنْعَ إلَّا ذُكُورًا وَإِنَاثًا , فَالْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ مَعَ التَّجَرُّدِ مُحْتَمَلَةٌ لَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا . انْتَهَى .
وَيُكْرَهُ نَوْمُ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ مِنْ الدُّهْنِ وَالْأَلْبَانِ لِلْفَمِ وَالْيَدِ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (نَوْمُ الْمَرْءِ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى إذَا أَكَلَ دَسَمًا لَهُ دُهْنِيَّةٌ أَوْ لَبَنًا (مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ) أَيْ غَسْلِ الْمَرْءِ الَّذِي أَكَلَ , وَمِثْلُهُ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ حَتَّى حَصَلَ لَهُ تَلْوِيثٌ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ (مِنْ الدُّهْنِ) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِهِ . وَالدُّهْنُ كُلُّ مَا لَهُ دُهْنِيَّةٌ مِنْ الْوَدَكِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهَا (وَ) مِنْ (الْأَلْبَانِ) جَمْعُ لَبَنٍ لِأَنَّ لِأَثَرِهِ دَسَمًا وَزُهُومَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ " إسْنَادٌ حَسَنٌ . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْغَمَرُ بِالتَّحْرِيكِ الدَّسَمُ وَالزُّهُومَةُ مِنْ اللَّحْمِ كَالْوَضَرِ مِنْ السَّمْنِ , وَالْوَضَرُ الْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ الطِّيبِ , وَمِنْهُ حَدِيثُ " جَعَلَ يَأْكُلُ وَيَتَتَبَّعُ بِاللُّقْمَةِ وَضَرَ الصَّحْفَةِ " أَيْ دَسَمَهَا وَأَثَرَ الطَّعَامِ فِيهَا . وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ " فَسَكَبَتْ لَهُ فِي صَحْفَةٍ إنِّي لَأَرَى فِيهَا وَضَرَ الْعَجِينِ " . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ , وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا " . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَلَبَ شَاةً وَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا وَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهُ وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا " وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَلَمْ يَتَمَضْمَضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " فَضَعِيفٌ , وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فَيَكُونُ تَرْكُهُ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ الْجَوَازِ , وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ حَيْثُ تَرَكَ غَسْلَ أَثَرِ الدُّهْنِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَهُ دُسُومَةٌ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ (لِلْفَمِ) مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِهِ (وَالْيَدِ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ " إنَّ الشَّيْطَانَ حَسَّاسٌ لَحَّاسٌ فَاحْذَرُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ , مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَهَذَا إنَّمَا ذُكِرَ هُنَا لِأَنَّهُ مِنْ آدَابِ النَّوْمِ أَيْضًا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَوْمُك بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ عَلَى قَفَاك وَرَفْعُ الرِّجْلِ فَوْقَ أُخْتِهَا اُمْدُدْ (وَ) يُكْرَهُ (نَوْمُك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْفَجْرِ) لِأَنَّهَا سَاعَةٌ تُقَسَّمُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ فَلَا يَنْبَغِي النَّوْمُ فِيهَا , فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَأَى ابْنًا لَهُ نَائِمًا نَوْمَةَ الصُّبْحَةِ فَقَالَ لَهُ: قُمْ أَتَنَامُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُقَسَّمُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ . وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّ الْأَرْضَ تَعِجُّ مِنْ نَوْمِ الْعَالِمِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقْتُ طَلَبِ الرِّزْقِ وَالسَّعْيِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ . وَفِي الْحَدِيثِ " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا " . وَفِي غَرِيبِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه " إيَّاكَ وَنَوْمَةَ الْغَدَاةِ فَإِنَّهَا مَبْخَرَةٌ مَجْفَرَةٌ مَجْعَرَةٌ " قَالَ: وَمَعْنَى مَبْخَرَةٍ تَزِيدُ فِي الْبُخَارِ وَتُغَلِّظُهُ . وَمَجْفَرَةٌ قَاطِعَةٌ لِلنِّكَاحِ . وَمَجْعَرَةٌ مُيَبَّسَةٌ لِلطَّبِيعَةِ " . (وَ) يُكْرَهُ نَوْمُك أَيْضًا بَعْدَ (الْعَصْرِ) فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَقْلِ مَنْ نَامَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: يُكْرَهُ أَنْ يَنَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُخَافُ عَلَى عَقْلِهِ . وَرَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ " حَدِيثٌ ضَعِيفٌ . قَالَ فِي شَرْحِ أَوْرَادِ أَبِي دَاوُدَ: كُلَّمَا قَرُبَ النَّوْمُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَعْنِي طَرَفَيْ النَّهَارِ قَلَّ نَفْعُهُ وَكَثُرَ ضَرَرُهُ .
(أَوْ) أَيْ وَيُكْرَهُ نَوْمُك مُسْتَلْقِيًا (عَلَى قَفَاك) أَيْ عَلَى ظَهْرِك (وَرَفْعُ الرِّجْلِ) أَيْ رَفْعُ الْمُسْتَلْقِي إحْدَى رِجْلَيْهِ (فَوْقَ أُخْتِهَا) أَيْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى بَلْ اُتْرُكْ هَذِهِ النَّوْمَةَ , وَاتْرُكْ رَفْعَ إحْدَى رِجْلَيْك عَلَى الْأُخْرَى وَ (اُمْدُدْ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِتَسْلَمَ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَتَفُوزَ بِالِامْتِثَالِ الْوَارِدِ عَنْ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم . أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ " . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا . وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ لَا سِيَّمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَرَاوِيلُ فَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ ; لِمَا قَدَّمْنَا بِهِ فِي آدَابِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَسْتَلْقِي وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَدْ رُوِيَ . وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَأْمَنُ انْكِشَافَ الْعَوْرَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ , وَعَدَمُهَا فِي حَقِّ مَنْ أَمِنَ ذَلِكَ كَمَنْ لَهُ سَرَاوِيلُ . وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَأَمَّا لَوْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ اسْتَلْقَى , وَلَمْ يَضَعْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَلَا كَرَاهَةَ . وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا حَيْثُ اجْتَمَعَ الِاسْتِلْقَاءُ وَوَضْعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لَكِنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ صَرِيحَةٌ فِي كَرَاهَةِ نَوْمِهِ عَلَى قَفَاهُ إنْ خَافَ انْكِشَافَ عَوْرَتِهِ , وَعِبَارَتُهُ: وَيُكْرَهُ نَوْمُهُ عَلَى بَطْنِهِ , وَعَلَى قَفَاهُ إنْ خَافَ انْكِشَافَ عَوْرَتِهِ , وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ وَتَحْتَ السَّمَاءِ مُتَجَرِّدًا . انْتَهَى . وَفِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعيِنَ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهَا وَتَنَامُ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إيْ وَاَللَّهِ . وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَرِهَهُ . وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ . وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مَظِنَّةَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ أَقْرَبَ لِوُصُولِ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ إلَيْهَا , وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِلطَّمَعِ فِيهَا , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
(تَتِمَّةٌ) الْقَائِلَةُ نِصْفُ النَّهَارِ مُسْتَحَبٌّ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنهما: كَانَ أَبِي يَنَامُ نِصْفَ النَّهَارِ شِتَاءً كَانَ أَوْ صَيْفًا لَا يَدَعُهَا , وَيَأْخُذُنِي بِهَا , وَيَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ . قُلْت وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا , وَلَمْ يَزِدْ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَ فِي تَسْهِيلِ السَّبِيلِ حَدِيثٌ حَسَنٌ , وَقِيلَ ضَعِيفٌ . وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: بِجَانِبِهِ عَلَامَةُ الْحَسَنِ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي الْجَلَالَ السُّيُوطِيَّ وَأَنَّهُ رَمَزَ لِحُسْنِهِ . وَقَالَ الْمَنَاوِيُّ: فِي إسْنَادِهِ كَذَّابٌ , فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ حَسَنٌ غَيْرُ صَوَابٍ . انْتَهَى . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْقَيْلُولَةُ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ . يُقَالُ: قَالَ يَقِيلُ قَيْلُولَةً فَهُوَ قَائِلٌ . وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مَا مُهَاجِرٌ كَمَنْ قَالَ: أَيْ لَيْسَ مَنْ هَاجَرَ عَنْ وَطَنِهِ أَوْ خَرَجَ فِي الْهَاجِرَةِ كَمَنْ سَكَنَ فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَأَقَامَ بِهِ . قَالَ: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْقَائِلَةِ , وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ . وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ: جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ أَيْ نَزَلَا فِيهَا عِنْدَ الْقَائِلَةِ إلَّا أَنَّهُ عَدَّاهُ بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ . لَكِنَّ مُرَادَ الْعُلَمَاءِ اسْتِحْبَابُ النَّوْمِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ . فَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ ضَبَطَهُنَّ فَقَدْ ضَبَطَ الصَّوْمَ مَنْ قَالَ , وَتَسَحَّرَ , وَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَوْمَةُ نِصْفِ النَّهَارِ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ . قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا إنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى خَبَالًا , وَنَوْمَاتُ الْعُصُورِ جُنُونُ أَلَا إنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ نَوْمَةً تُحَاكِي لِأَصْحَابِ الْعُقُولِ فُنُونُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ , وَالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . " تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ النَّوْمَ بِالنَّهَارِ لَا يُكْرَهُ شَرْعًا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا لِعَدَمِ دَلِيلِ الْكَرَاهَةِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ , أَيْ وَبَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ وَبَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الْأَصْحَابِ , وَلِذَا قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَجَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ قَالَ أَظُنُّهُ صَاحِبَ النَّظْمِ بِكَرَاهَةِ النَّوْمِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ , وَأَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الْقَائِلَةُ . قَالَ: وَالْقَائِلَةُ النَّوْمُ فِي الظَّهِيرَةِ . قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ . وَيُرْوَى أَنَّ الْإِمَامَ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ رَأَى مُعَاوِيَةَ حَمَلَ اللَّحْمَ , فَقَالَ يَا مُعَاوِيَةُ مَا هَذَا لَعَلَّك تَنَامُ نَوْمَةَ الضُّحَى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّهُ . وَاقْتَصَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ نَوْمَ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ , وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ , وَيُورِثُ الطُّحَالَ , وَيُرْخِي الْعَصَبَ , وَيُكْسِلُ وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ , إلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ . وَأَرْدَؤُهُ النَّوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَأَرْدَأُ مِنْهُ بَعْدَ الْعَصْرِ .
, وَأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: النَّوْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ , نَوْمَةُ الْخُرْقِ , وَنَوْمَةُ الْخَلْقِ وَنَوْمَةُ الْحُمْقِ . فَنَوْمَةُ الْخُرْقِ نَوْمَةُ الضُّحَى , وَنَوْمَةُ الْخَلْقِ هِيَ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَا أُمَّتَهُ فَقَالَ " قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ " وَنَوْمَةُ الْحُمْقِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَنَامُهَا إلَّا سَكْرَانُ أَوْ مَجْنُونٌ . فَنَوْمُ الصُّبْحَةِ مُضِرٌّ جِدًّا بِالْبَدَنِ لِأَنَّهُ يُرْخِيهِ وَيُفْسِدُ الْفَضَلَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ . وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه: مِنْ الْجَهْلِ النَّوْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ , وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عُجْبٍ وَالْقَائِلَةُ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ: نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ يَعْدِلُ شَرْبَةَ دَوَاءٍ , يَعْنِي فِي الصَّيْفِ انْتَهَى . (الثَّانِي) النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ , وَلِذَا لَا يَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ , وَلَكِنَّهُ جُعِلَ لِأَجْلِ رَاحَةِ الْبَدَنِ لِيَنْهَضَ الْإِنْسَانُ بَعْدَهُ إلَى طَاعَةِ رَبِّهِ . فَقَلِيلُهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِهِ . وَيُرْوَى أَنَّ الْمَسِيحَ عليه السلام قَالَ: خَلْقَانِ أَكْرَهُهُمَا النَّوْمُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ , وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عُجْبٍ , وَالثَّالِثَةُ الْعُظْمَى: إعْجَابُ الْمَرْءِ بِعَمَلِهِ . وَقَالَ دَاوُدُ لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: إيَّاكَ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يُفْقِرُك إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى أَعْمَالِهِمْ . وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ وَالْكَسَلَ وَالضَّجِرَ , فَإِنَّك إذَا كَسِلْت لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا , وَإِذَا ضَجِرْت لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ . وَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَهُ: يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرْ مِنْ النَّوْمِ فَإِنَّ النَّوَّامَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا .
قَالَ فِي شَرْحِ أَوْرَادِ أَبِي دَاوُدَ: وَأَمَّا كَثْرَةُ النَّوْمِ فَلَهُ آفَاتٌ: مِنْهَا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْفُسُولَةِ وَالضَّعْفِ وَعَدَمِ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ , مُسَبِّبٌ لِلْكَسَلِ وَعَادَةِ الْعَجْزِ وَتَضْيِيعِ الْعُمْرِ فِي غَيْرِ نَفْعٍ وَقَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ وَمَوْتِهِ , وَالشَّاهِدُ عَلَى هَذَا مَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَيُوجَدُ مُشَاهَدَةً وَيُنْقَلُ مُتَوَاتِرًا مِنْ كَلَامِ الْأُمَمِ وَالْحُكَمَاءِ السَّالِفِينَ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ وَصَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَخَلَفَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ اخْتِصَارًا وَاقْتِصَارًا عَلَى شُهْرَتِهِ . انْتَهَى .
, وَأَنَّ الْيَقَظَةَ أَفْضَلُ مِنْ النَّوْمِ لِمَنْ يَقَظَتُهُ طَاعَةٌ (الثَّالِثُ) لَا يَنْبَغِي مُدَافَعَةُ النَّوْمِ كَثِيرًا , وَإِدْمَانُ السَّهَرِ , فَإِنَّ مُدَافَعَةَ النَّوْمِ وَهَجْرَهُ مُورِثٌ لِآفَاتٍ أُخَرَ مِنْ سُوءِ الْمِزَاجِ وَيُبْسِهِ . وَانْحِرَافِ النَّفْسِ , وَجَفَافِ الرُّطُوبَاتِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفَهْمِ وَالْعَمَلِ , وَتُورِثُ أَمْرَاضًا مُتْلِفَةً . وَمَا قَامَ الْوُجُودُ إلَّا بِالْعَدْلِ . فَمَنْ اعْتَصَمَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ . وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: النُّعَاسُ يُذْهِبُ الْعَقْلَ , وَالنَّوْمُ يَزِيدُ فِيهِ . فَالنَّوْمُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَلِهَذَا امْتَنَّ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ
وَيُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطْحٍ , وَلَمْ يُحَطْ عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ لِخَوْفٍ مِنْ الرَّدِي (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ , وَمَا غَالِبُهُ السَّلَامَةُ لَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ وَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِلْأَدَبِ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَتَوَجَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ , وَهُوَ اخْتِلَافُ ذَلِكَ بِالْأَشْخَاصِ وَعَادَاتِهِمْ وَصِغَرِ الْأَسْلِحَةِ وَوُسْعِهَا نَظَرًا لِلْمَعْنَى (نَوْمٌ) مِنْ مُكَلَّفٍ وَلَعَلَّهُ وَتَمْكِينُ وَلِيِّ غَيْرِهِ مِنْهُ (فَوْقَ سَطْحٍ) لِبَيْتٍ وَلَعَلَّ مِثْلَهُ شَاهِقٌ مِنْ الْجِبَالِ حَيْثُ خِيفَ مِنْهُ السُّقُوطُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ لِلسَّطْحِ وَنَحْوِهِ (لَمْ يُحَطْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جَوَانِبِهِ (بِتَحْجِيرٍ) يَمْنَعُ مِنْ السُّقُوطِ عَنْ الْحَائِطِ . وَالْمُرَادُ بِالتَّحْجِيرِ هُنَا الْحُجْرَةُ الَّتِي تُحَاطُ عَلَى السَّطْحِ ; لِأَنَّهَا تَمْنَعُ صَاحِبَهَا النَّائِمَ مِنْ الْوُقُوعِ , لِأَنَّ النَّوْمَ زَوَالُ شُعُورٍ وَعَقْلٍ , وَقَدْ قِيلَ لِلْعَقْلِ حِجْرٌ لِأَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى صَاحِبِهِ الْجَهْلَ لَا يَقَعُ فِيهِ . إنَّمَا كُرِهَ النَّوْمُ عَلَى السَّطْحِ الَّذِي لَا تَحْجِيرَ عَلَيْهِ (لِ) أَجْلِ (خَوْفٍ) عَلَى النَّائِمِ (مِنْ) الْفِعْلِ (الرَّدِيءِ) أَيْ الْهُبُوطِ وَالسُّقُوطِ وَالتَّرَدِّي عَنْ السَّطْحِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ السَّاقِطِ غَالِبًا . وَالشَّارِعُ طَبِيبُ الْأَبْدَانِ , وَمُقَوِّمُ الْأَدْيَانِ , فَلِشِدَّةِ شَفَقَتِهِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ نَهَاهُمْ عَنْ النَّوْمِ كَذَلِكَ وَيَجْرِي كَوْنُ التَّحْجِيرِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ . قَالَ مُثَنَّى: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَنَامُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمُحَجَّرٍ؟ قَالَ مَكْرُوهٌ وَيَجْزِيهِ الذِّرَاعُ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ . أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَعْنِي ابْنَ شَيْبَانَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا: حِجَارٌ بِالرَّاءِ بَعْدَ الْأَلْفِ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حِجَابٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحِجَارُ جَمْعُ حِجْرٍ بِالْكَسْرِ هُوَ الْحَائِطُ أَوْ مِنْ الْحُجْرَةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ وَيُرْوَى حِجَابٌ بِالْبَاءِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنْ السُّقُوطِ . وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ حَجَا وَقَالَ يُرْوَى بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَمَعْنَاهُ فِيهَا مَعْنَى السِّتْرِ الْمَانِعِ مِنْ السُّقُوطِ بِالْعَقْلِ , وَالْفَتْحُ يُرِيدُ النَّاحِيَةَ وَالطَّرْفَ . وَأَحْجَاءُ الشَّيْءِ نَوَاحِيهِ وَاحِدُهَا حَجَا . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ اللَّهِ عَهْدٌ بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَةِ , فَإِذَا أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ أَوْ فَعَلَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ خَذَلَتْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ " . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ . وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا , وَمَنْ رَقَدَ عَلَى سَطْحٍ لَا جِدَارَ لَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ " . وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: كُنَّا بِفَارِسَ وَعَلَيْنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَبْصَرَ إنْسَانًا فَوْقَ بَيْتٍ أَوْ إجَّارٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ , فَقَالَ: لِي سَمِعْت فِي هَذَا شَيْئًا؟ قُلْت: لَا . قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ بَاتَ فَوْقَ إجَّارٍ أَوْ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجْلَيْهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ , وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَ مَا يَرْتَجُّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا هَكَذَا وَمَوْقُوفًا وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ , وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَيْضًا قَالَ: كُنْت مَعَ زُهَيْرٍ الشَّنَوِيِّ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ عَلَى ظَهْرِ جِدَارٍ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ قُمْ , ثُمَّ قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْإِجَّارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ هُوَ السَّطْحُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
جِلْسَةٌ وَنَوْمٌ عَلَى وَجْهِ الْفَتَى الْمُتَمَدِّدِ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (بَيْنَ الظِّلِّ) أَصْلُ الظِّلِّ السِّتْرُ , وَمِنْهُ أَنَا فِي ظِلِّ فُلَانٍ , وَمِنْهُ ظِلُّ الْجَنَّةِ , وَظِلُّ شَجَرِهَا , وَظِلُّ اللَّيْلِ: سَوَادُهُ , وَظِلُّ الشَّمْسِ: مَا سَتَرَ الشُّخُوصَ مِنْ مَسْقَطِهَا . ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ . قَالَ: وَالظِّلُّ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ , وَالْفَيْءُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ ; لِأَنَّهُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ (وَ) بَيْنَ (الْحَرِّ) ضِدُّ الْبَرْدِ , وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَا قَابَلَ الظِّلَّ وَفِي نُسَخٍ: الشَّمْسُ بَدَلَ الْحَرِّ وَهُوَ أَوَّلُ (جِلْسَةٌ) مِنْ الْجُلُوسِ , وَهِيَ بِالْكَسْرِ حَالَةُ الْجَالِسِ , وَكَذَا يُكْرَهُ النَّوْمِ أَيْضًا . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ . الْجُلُوسُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالظِّلِّ . قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه يُكْرَهُ الْجُلُوسُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالظِّلِّ؟ قَالَ: هَذَا مَكْرُوهٌ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ ذَا . وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: صَحَّ النَّهْيُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ بَيْنَ الضَّحِّ وَالظِّلِّ وَقَالَ مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ , وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنُ مَاجَهْ بِالنَّهْيِ وَحْدَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الضَّحُّ - بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ إذَا اسْتَمْكَنَ مِنْ الْأَرْضِ , وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ لَوْنُ الشَّمْسِ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْفَيْءِ , وَفِي رِوَايَةٍ فِي الشَّمْسِ , فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَتَابِعِيُّهُ مَجْهُولٌ . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ " .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَرْفُوعًا " إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدًا وَإِنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ قِبَالَةَ الْقِبْلَةِ " . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا , وَإِنَّ أَشْرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: " رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبِي فِي الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الظِّلِّ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَامَ فِي الشَّمْسِ فَأَمَرَ بِهِ فَحُوِّلَ إلَى الظِّلِّ " إسْنَادُهُ جَيِّدٌ , وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: تَحَوَّلْ إلَى الظِّلِّ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ " .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: اسْتَقْبِلُوا الشَّمْسَ بِجِبَاهِكُمْ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالظِّلِّ دُونَ الْجُلُوسِ فِي الشَّمْسِ وَالنَّوْمِ فِيهَا , لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي طِبِّهِ: النَّوْمُ فِي الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ يُحَرِّكُ الدَّاءَ الدَّفِينَ , وَالنَّوْمُ فِي الْقَمَرِ يُحِيلُ الْأَلْوَانَ إلَى الصُّفْرَةِ , وَيُثْقِلُ الرَّأْسَ . انْتَهَى . وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ جَالِينُوسُ: مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السَّهَرِ أَوْ التَّعَرُّضِ لِلشَّمْسِ الْحَارَّةِ وَقَعَ فِي الْبِرْسَامِ سَرِيعًا . قَالَ فِي الْآدَابِ: وَالْبِرْسَامُ وَرَمٌ حَارٌّ فِي الدِّمَاغِ . (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّ الْمَنَارَةِ , وَكَنْسُ الْبَيْتِ بِالْخِرْقَةِ . انْتَهَى .
(وَ) يُكْرَهُ (نَوْمٌ) حَيْثُ كَانَ النَّوْمُ (عَلَى وَجْهِ الْفَتَى الْمُتَمَدِّدِ) أَيْ النَّائِمِ يَعْنِي يُكْرَهُ نَوْمُهُ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى بَطْنِهِ فَغَمَزَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: " إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " وَرَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْبَطِحًا لِوَجْهِهِ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ " قُمْ نَوْمَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ " . وَعَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: " كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقُوا بِنَا إلَى بَيْتِ عَائِشَةَ , فَانْطَلَقْنَا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا , فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ فَأَكَلْنَا , ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا , فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلِ الْقَطَاةِ فَأَكَلْنَا , ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَسْقِينَا , فَجَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فَشَرِبْنَا , ثُمَّ قَالَ إنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ انْطَلَقْتُمْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي السَّحَرِ عَلَى بَطْنِي إذْ جَاءَ رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ , قَالَ: فَنَظَرْت فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طِغْفَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ , وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَيْسِ بْنِ طِهْفَةَ بِالْهَاءِ عَنْ أَبِيهِ مُخْتَصَرًا , وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ طِغْفَةَ بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً عَنْ أَبِيهِ كَالنَّسَائِيِّ , وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ طِهْفَةَ أَوْ طِحْفَةَ عَلَى اخْتِلَافِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ , وَقَالَ: يَا جُنَيْدِبُ إنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ " قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيهِ اخْتِلَافًا كَبِيرًا وَاضْطُرِبَ فِيهِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا , فَقِيلَ طِهْفَةَ بْنُ قَيْسٍ بِالْهَاءِ , وَقِيلَ طِحْفَةَ بِالْحَاءِ , وَقِيلَ طِغْفَةَ بِالْغَيْنِ , وَقِيلَ طِقْفَةَ بِالْقَافِ وَالْفَاءِ , وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ طِخْفَةَ , وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طِخْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , وَقِيلَ طِهْفَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , وَحَدِيثُهُمْ كُلُّهُمْ وَاحِدٌ قَالَ: كُنْت نَائِمًا بِالصُّفَّةِ فَرَكَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِجْلِهِ , وَقَالَ هَذِهِ نَوْمَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ , وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ , وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الصُّحْبَةَ لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ . انْتَهَى , وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَقَالَ طِغْفَةَ بَالِغِينَ خَطَأٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْحَيْسَةُ عَلَى مَعْنَى الْقِطْعَةِ مِنْ الْحَيْسِ , وَهُوَ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ , وَقَدْ يُجْعَلُ عِوَضَ الْأَقِطِ دَقِيقٌ .
(تَتِمَّتَانِ: الْأُولَى) يُكْرَهُ النَّوْمُ تَحْتَ السَّمَاءِ مُتَجَرِّدًا ; وَبَيْنَ قَوْمٍ مُسْتَيْقِظِينَ , وَنَوْمُهُ وَحْدَهُ كَسَفَرِهِ وَحْدَهُ , وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ , وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ , وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ شُغْلٍ , أَوْ شَيْءٍ يَسِيرٍ , أَوْ أَهْلٍ , أَوْ ضَيْفٍ . لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ , وَرَمَزَ السُّيُوطِيُّ لِحُسْنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَعَنْ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا " . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلَا سَمَرَ بَعْدَهُ " . قَالَ فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ: السَّمَرُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فَرَاءٍ: الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ انْتَهَى . وَفِي بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْأَدَبِ: الْمُسَامَرَةُ إنْصَاتٌ لِمُتَكَلِّمٍ , وَكَلَامٌ لِمُسْتَمِعٍ , وَمُفَاوَضَةٌ فِيمَا يَلِيقُ وَيَجْمُلُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ نَضْلَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا " . وَمِمَّنْ كَرِهَ النَّوْمَ قَبْلَهَا عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ رضي الله عنهم , وَكَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ . وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ تَعْرِيضُهَا لِفَوَاتِ وَقْتِهَا بِاسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ , وَلِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَيَنَامُوا عَنْ صَلَاتِهَا جَمَاعَةً . وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ . وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: تُرُخِّصَ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ . وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ , وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّتِنَا . وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى لِلْإِمَامِ ابْنِ مُفْلِحٍ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ بِرَوَائِحِ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى -: النَّوْمُ عِنْدَ سَمَاعِ الْخَيْرِ مِنْ الْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ مِنْ الشَّيْطَانِ . نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه كَانَ يُقَالُ لِإِبْلِيسَ - لَعَنَهُ - اللَّهُ لَعُوقٌ وَكُحْلٌ وَسَعُوطٌ , فَلَعُوقُهُ الْكَلْبُ , وَكُحْلُهُ النُّعَاسُ عِنْدَ سَمَاعِ الْخَيْرِ , وَسَعُوطُهُ الْكِبْرُ .
|